منتدى الحكواتي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مامون حكواتي


    كيف خلق الله الوجود؟

    avatar
    بحري شرقاوي


    المساهمات : 55
    تاريخ التسجيل : 12/12/2010

    كيف خلق الله الوجود؟  Empty كيف خلق الله الوجود؟

    مُساهمة  بحري شرقاوي الأحد سبتمبر 01, 2013 11:32 am

    خلق الوجود
    إن من ينظر إلى الكون وما فيه، وإلى الذرة وتركيبها، وإلى الخلية ومكوناتها، يحق له أن يتساءل: كيف خلق الله الوجود؟ لنأخذ هنا الأعداد المنطقية المرتبة ونقرر أن نبتدئ من عدد معين، أو حرف ! فإذا قلنا"1" أو"أ" فإنه لابد وأن ننتقل إلى العدد "2" أو الحرف "ب" وإذا أشرنا مجازاً للتعبير عن العدد أو الحرف الأول عن الله الواحد إذا العدد أو الحرف الثاني حقيقة ما ينبغي وصولها. وبما أن الله يخلق بخالص إرادته ما يشاء فان ذلك يجب أن يكون تعبيراً عن الوجود الواجب والممكن الوجود فإن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له" كن فيكون" ذلك أنه قد رأينا في"الإشارات" السابقة بأن الخالق لا خالق له، وأن المادة لا يجوز أن تكون أزلية في وجودها لأنه لا يمكن أن يكون هنالك خالق أزلي وهنالك شيء مشارك له في أزليته، وبذا يتوجب أن كل شيء حادث عن الأزل..
    فلو كانت المادة قديمة أزلية فإن الله الخالق يحدث الشيء من الشيء وتبقى هنا أولوية المادة مشاركة إلى أولوية الله، وهذا مخالف لحقيقة الوحدانية لله تعالى "الواحد، الأحد، الصمد " وإذا أوجب أن تكون بين الأولويتين أسبقية أحداهما على الأخرى، فإذا كان الله هو الأول أوجب على المادة أن لا تشارك في أي شيء، ولذا فهي محدثة، وأن الله الخالق يحدث الشيء من اللا شيء. وعليه فقد أحدث المادة من العدم، وأتى الخلق دفعة كلية واحدة. وإذن فإن الانتقال من بداية الأول الى الثاني ومهما استمرينا بالانتقال العددي فإن الأول يبقى الأساس في المتسلسلة، أي أن الوجود مهما كثرت الموجودات فيه فإنه بالأساس حادث عن الله الأول.
    وإذا استعرضنا بعض النظريات المادية الحديثة في كيفية حدوث الخلق، نرى أن "نظرية بفون" في القرن الثامن عشر والتي تشير الى أن الكواكب في المجموعة الشمسية قد نشأت بالأساس من الشمس بسبب اصطدام جرم كوني هائل الحجم بالشمس، ونتيجة إلى هذا الاصطدام تطايرت أجزاء عديدة من الشمس وخرجت عن جاذبيتها، ومنها من بقي يخضع تحت جذبها، وهكذا بعد انقشاع هذه الحالة تكونت"المنظومة الشمسية" في كواكبها على ما هي عليه الآن..
    وتعتبر هذه النظرية أول محاولة علمية في تفسير نشأة الكون في العصر الحديث، ثم تبعتها نظرية"1" إلى"2" أو "أ" إلى "ب"وهو اتصال عددي أو حدّي ناتج عن نظرية العالم الرياضي "لابلاس" الذي اعتبر أن الشمس ومجموعتها الكواكبية كانت في القديم على هيئة سديم بدأ يفقد حرارته تدريجياً حتى تم انفصال أجزائه عن بعضها البعض من الوسط على شكل حلقات غازية والتي كونت فيما بعد كواكب المجموعة الشمسية هذه، والتي حافظت بدورانها على الاتجاه نفسه التي كانت تدور فيه سابقاً داخل السديم..
    وبالنسبة إلى "نظرية الجسيمات الكوكبية" التي يرى فيها "تشامبرلين وملتون" على أن نجماً هائلاً اقترب من جاذبية الشمس مما أدى إلى حدوث انفجارات متواصلة داخل الشمس خرجت منها نتيجة ذلك الانفجار مواد غازية وسائلة متجهة نحو النجم، وبعد ابتعاده استقلت هذه المواد الغازية عن الشمس والنجم وشكلت جسيمات صغيرة صلبة كثيرة العدد والتي تكونت منها بعد ذاك كواكب المجموعة الشمسية بصورة تدريجية.
    أما"نظرية المد الغازي" فهي مقاربة الشبه ب"نظرية الجسيمات الكوكبية" ولا تختلف عنها سوى أن النجم الهائل الحجم عند اقترابه من الشمس خرج لهيب واحد جبار من الغاز المستقل من الشمس إلى جهة النجم ومن ثم انفصل عن الجانبين ليكون منظومتنا الشمسية الحالية. أما شأن النظريات الحديثة جداً ومنها "نظرية سحابة الغبار العظمى" والتي شارك في وضعها عدد كبير من العلماء المعاصرين والتي لا تخرج في فحواها عن تأييد "نظرية لابلاس السديمية" وكذلك الحال نفسه تقريباً مع "فريد هول" ونظريته عن "النجوم المزدوجة." .
    ومن الملاحظ أن جميع هذه النظريات لا تستند على قانون علمي بحت بل على افتراضات علمية، وكما هو معلوم ليس كل افتراض علمي صحيحاً، بمعنى أن الافتراض العلمي التي تؤيده التجارب بعد التأكد من افتراضه يشكل درجة في تطوير المعارف والكشف عن الحقائق، وهذا ما لم يحدث قط في أغلب العلوم ومنها الافتراضات العلمية في أصل نشأة الكون، بل أنها لا تختلف بكثير عن النظريات العقلية عند فلاسفة اليونان إلا بالدرجة العلمية..
    وعلى ذلك نرى أن رأي "بفون" يتوافق مع رأي"طاليس" والفرق بينهما أن الأول انطلق من الشمس، والثاني انطلق من الطبيعة، وكذلك الوضع نفسه مع"لابلاس" الذي يتوافق "رأيمعهرقيلطس ويقارب رأي "فيثاغورس". فإن كانت تلك الظواهر تتعلق بالعلم فإنها وكما هو واضح فارغة من القوانين العلمية الثابتة، وإن كانت فلسفية المفهوم فأوجب أن لا تقتصر على المادة وحسب..
    وإذا علينا أن نتقبل الحقائق القاطعة التي يصل إليها العلم ونلتزم بطريقة الاستدلال المنطقي في قوة العقل كي نحافظ على البنية العلمية والفلسفية وبالتالي نصل إلى أن أصل نشأة الكون حدثت من خالق قدير عظيم الإرادة ولم تأتِ مجموعتنا الشمسية بحدث مادي صرف، وإنما بفعل إلهي بحت. فعندما يحاول الإنسان أن يبدع في عمل ما وليكن هذا الإبداع مادياً، مثلا صناعة صاروخ، أو مركبة فضائية أو غيره، فإنما هو يمنح صورة جديدة إلى المادة المتقبلة على أشكال صور، وقواه الفكرية تجعل من هذه الصور الجديدة نقطة متقدمة على الصور السابقة، وهكذا يكون في مقدرة الإنسان أن يمنح المادة صوراً جديدة يخضعها وفق متطلباته العملية..
    وبما أن الإنسان أعلى كائن موجود على وجه الأرض لذا فمن هذه الحالة نأخذ دلالة على مقدرة الله على الخلق لهذا الكون ودفعة واحدة، حيث أن الإنسان الذي يمتلك المقدرة على الخلق، والابتكار، والإبداع من الشيء المتقبل للصور ومنحه صورا جديدة فإن القوة العقلية هذه هي الاتصال مع ما وراء هذه القوة، أي مع من يمتلك القدرة في خلق الشيء ومنحه الصورة من اللاشيء واللاصوري وهو الله.
    وإذا فإن قدرة الله في خلق هذا الوجود على جهة كلية ومن العدم تشهد عليه قوى الإنسان العقلية في الخلق المادي، لأن صورة الإبداع تكون موجودة بالأساس في العقل ويستخرجها الإنسان بعد تأمل وتفكير بالضرورة كيف ما يطور نفسه. وبما أن نتاج الإنسان الإبداعي يكون حادثاً عنه، إذا فإن الخلق يكون حادثاً عن الله ودفعة واحدة لأن منزلة الخالق في الإبداع ليست لها حدود .
    يقدر عمر الكون، بحوالي خمسة بلايين سنة، وأنه حدث على شكل دفعة واحدة، وأن عمر الأرض ثلاثة بلايين سنة، وعمر الإنسان يزيد عن بليون سنة، واستطاع بها الإنسان أن يحدد بداية الخلق المادي، ولكن ظهور الخلق عن مادة لا بداية له، وأن لكل بداية معلومة نهاية تقف عندها، حيث لا يجوز أن نسلم بظهور بداية معينة وتستمر إلى ما لا نهاية، ذلك لأنها تشارك الشيء الذي لا بداية له. فإذا كان تفسيرنا مادياً وجعلنا هذا الاستمرار في التطور الخلقي للمادة فإننا قد ناقضنا أنفسنا بأنفسنا، وإذا لابد وأن تكون هنالك نهاية لهذا الخلق. وعليه فإن التسليم بوجود نهاية لبداية معلومة نكون قد جعلنا من المادة في شتى الأحوال قدرنا المجهول.
    وإذا ما قارنا بالعقل بين وجود مادة أزلية خالقة والله الأزلي الخالق فإنه قطعاً علينا أن نتجاوز كل تفسير أعمى يزجنا إلى غياهب المجهول لهذه المادة العفنة والخسيسة ونتجه إلى صوب الخالق. ذلك أنا إذا توصلنا إلى حقيقة تشخيص بداية الخلق نكون قد أدركنا أكثر بأن الخالق الذي لا بداية له ولا نهاية يكون خلف هذا الخلق الذي بدأ منه وينتهي إليه وليس هنالك من مجهول يتلاعب بهذا الخلق.
    كل منا يدرك أن لا تعجيز في العلم، وإنما التعجيز في المحصلة التي يصل إليها العلم والتي يتطلب منا الاستدلال المنطقي في تحليلها عقلياً كي نتجاوز المقاييس المادية ونصل إلى إثبات وحدة الكون من الناحية الكيمياوية، حيث لا يوجد فارق بين نجم كبير وجزيء الذرة، وأيضاً مع الكائنات الحية التي تشترك جميعها في مادة "البروتوبلازم" فإن ذلك كله يشير إلى قاسم مشترك واحد يسري في الوجود بأسره رغم الاختلافات الشاسعة بين صور الجمادات وصور الأحياء، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على وجود خالق لكل شيء وعنه حدث هذا الخلق دفعة واحدة..
    آراء وأفكار في العقل والقلب والروح - د. صالح حسن محمد الفضالة - تحت الطبع.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 5:51 am